تشير مصادر علم التغذية الإكلينيكية إلى أن الشاي أحد المنتجات النباتية الغنية بالفوائد الصحية. وأساس هذه الملاحظة العلمية هو احتواء أوراق الشاي على أكثر من 4000 مركب كيميائي.
ومما يذكره الباحثون الطبيون أن السنوات الثلاثين الماضية شهدت طفرة علمية في الاهتمام بالبحوث والدراسات حول الشاي، وفي الجانب الصحي الإيجابي له تحديداً.
ويستشهد البعض بأن الدراسات المنشورة حول الشاي في بدايات التسعينيات الماضية كانت لا تتجاوز 50 دراسة علمية في العام الواحد، بينما تجاوز العدد 250 دراسة علمية في العام الواحد من الأعوام التالية للألفية الجديدة! وبشكل أدق في الحديث حول أحد أنواع الشاي الأربعة، أشارت مصادر المؤسسة القومية للصحة بالولايات إلى أن الدراسات حول الشاي الأخضر وحده تتجاوز 1000 دراسة! منها 400 دراسة صدرت في عام 2004 فقط. وهو العام الذي يُمثل القمة حتى اليوم في عدد دراسات الشاي الأخضر الطبية.
وفي كثير من الجوانب الطبية حول فوائد تناول مشروب الشاي، تتطابق اليوم نصائح أنماط من الطب التقليدي لمناطق الهند والصين وغيرهما، مع نتائج الدراسات الحديثة للباحثين الطبيين في مراكز عالمية مختلفة.
ومن حُسن الطالع أن تأتي تلك الأحاديث العلمية الكثيرة عن فوائد للشاي. ذلك أن الإحصائيات المقارنة على المستوى العالمي تُؤكد صراحة أن مشروب الشاي هو ثاني مشروب، بعد الماء، يتناوله البشر.
مركبات الشاي الكيميائية
وكما أن للشاي نكهة خاصة ومميزة من بين باقي المنتجات النباتية، فكذلك الحديث العلمي عن الشاي والمركبات الكيميائية فيه، وبالتالي عن التأثيرات الصحية لتناول مشروبه، هو أيضاً مختلفٌ وذو نكهة خاصة.
ومما تعود الناس عليه عند الحديث عن أحد المنتجات الغذائية هو عرض مكوناته من عناصر البروتينات والسكريات والدهون، باعتبار أن تلك العناصر مصادر غذائية للطاقة ولاستفادة الجسم. لكن في الشاي، لا مجال مطلقاً لذكر تلك العناصر الغذائية الثلاثة.
ولا حتى للإكثار من ذكر محتواه من الفيتامينات أو المعادن، بل هنا الحديث مختلف وذو نكهة كيميائية عطرية أخرى. وما تتحدث الأوساط العلمية عنه في الشاي يشمل المواد المضادة للأكسدة، والكافيين، والمواد العطرية المسؤولة عن إكساب الشاي مزيج النكهة الفريدة له.
ولئن كانت النكهة العطرية بحد ذاتها كفيلة بجذب الإنسان إلى تناول قدح من الشاي، فإن هذا قد يكون سبباً منطقياً كافياً بحد ذاته لتناول مشروبه في العمل على تعديل المزاج. إلا أن وجود الكافيين في الشاي هو عامل آخر. وكان الألمان هم أول من اكتشف وجود الكافيين في الشاي في بدايات القرن التاسع عشر.
وتشير رابطة التغذية الأميركية إلى أن كوباً من الشاي، بحجم 80 مليلترا، من القهوة يحتوي على حوالي 85 مليغراما من الكافيين. بينما نفس الحجم من الشاي الأحمر يحتوي على 40 مليغراما من الكافيين.
وتقل النسبة إلى 30 مليغراما في شاي أولونغ، وإلى 20 مليغراما في الشاي الأخضر، وإلى حوالي 15 مليغراما في الشاي الأبيض. ما يعني أن الشاي الأخضر أفضل لمن لديهم حساسية من الكافيين أو للحوامل أو للأطفال، أو للشرب في ما بعد الظهر والمساء للتخفيف من تأثير الكافيين على النوم لاحقاً.
هذا بالإضافة إلى احتواء الشاي على كميات من مادة ثيوفيللن theophylline، المستخدمة كعقار في معالجة نوبات الربو والوقاية منها. وعلى الفلوريد، الفاعل في مقاومة تسويس الأسنان.
المواد المضادة للأكسدة
ولكن الفائدة الصحية الأهم، هي في احتواء أوراق الشاي الطازجة على نسبة عالية من المواد المضادة للأكسدة من أنواع بوليفينول polyphenols، وخاصة أنواع كاتيشن catechin منها. وتحديداً تُشكل تلك المواد نسبة 30% من الوزن الجاف للأوراق. وبالمقارنة مع أنواع الشاي، فإن الشاي الأبيض اللؤلؤي والشاي الأخضر أعلى في المحتوي لتلك المواد الكيميائية عالية الفائدة الصحية. وتقل كمية هذه المواد في الشاي الأسود وشاي أولونغ نظراً لاستهلاك تلك المواد في إعطاء اللون الأحمر لهما.
وغنى الشاي بالمواد المضادة للأكسدة هو السبب الرئيسي لفوائد شرب الشاي الصحية. وكلما حرصنا على تناول أنواع الشاي الغنية به، أو حرصنا على أفضل طرق الإعداد في استخلاصها من تلك الأوراق، كلما استفدنا من شرب الشاي.
والنوع الأكثر توفراً لمواد كاتيشن المضادة للأكسدة في الشاي الأخضر هي مواد إي جي سي جي (EGCG) . وإليها يُنسب دور الشاي الأخضر في مقاومة نشوء ونمو تكاثر الخلايا السرطانية، وفي منع عمليات الأكسدة للكولسترول. وثمة من الباحثين من يرى أن المواد تلك في الشاي أقوى أثراً في منع الأكسدة من فيتامين إي وفيتامين سي.
ويقول الباحثون إن تعود سكان الصين وغيرها على شرب ثلاثة أقداح من الشاي الأخضر يومياً، يُؤمن لأجسامهم تناول أكثر من 320 مليغراما من مركبات بوليفينول المضادة للأكسدة. أي توفير دخول أكثر من 100 مليغرام من مواد كاتيشن وحدها، إلى الجسم يومياً.
وتشير الدراسات الطبية إلى عناوين شتى لجدوى تناول الشاي في كل من، زيادة قوة العظم، وتحسين استجابة خلايا الجسم للأنسولين، وتحسين قدرات الذاكرة والتفكير العقلي وتخفيف أعراض مرض ألزهايمر، وزيادة قدرة الجسم على مقاومة نزلات البرد، ورفع قدرة ممارسة النشاط البدني، وتخليص الجسم من الشحوم، وحماية الكبد من التأثيرات الضارة للكحول. إلا أن الفائدتين الأهم هما في الوقاية من السرطان وفي الوقاية من أمراض القلب ومسبباتها.
الوقاية من السرطان
ربما تلخص جهود فرع الوقاية الكيميائية في المؤسسة القومية للسرطان بالولايات المتحدة النتائج المشجعة لدراسات جدوى الشاي في الوقاية من أنواع شتى من السرطان. وكان الفرع المذكور قد تبنى مؤخراً تطوير مركبات كيميائية مستخلصة من الشاي في وقاية عامة أصحاء الناس، من السرطان، أي مواد كيميائية واقية من السرطان cancer-chemopreventive agents.
وثمة عدة آليات كيميائية حيوية لقدرة مركبات الشاي، وخاصة مضادات الأكسدة، على منع نشوء الخلايا السرطانية في أعضاء عدة، وعلى الفتك بها متى ما ظهرت، وعلى منع عملية تكوين الشعيرات الدموية الجديدة في كتل الأورام angiogenesis . هذا بالإضافة إلى دور تلك المواد المضادة للأكسدة في عملية تخليص الجسم من السموم detoxification المتسببة، كمواد مُسرطنة، في نشوء الأورام.
ودون الاستطراد العلمي في ذكر الدراسات الطبية، التي تبلغ المئات، فإن الحديث في جانب الشاي والسرطان يدور تحديداً حول سرطان ثمانية أعضاء، هي البروستاتا والمبيض والثدي والأمعاء الغليظة ودماغ الأطفال والمرارة والرئة والمثانة. وأيضاً حول دور مركبات الشاي في زيادة فاعلية وسائل معالجة السرطان، وفي تخفيف أثارها الجانبية. وما يدور الكلام الإيجابي فيه مفاده أن الحرص على تناول كميات، عدة أكواب، من الشاي كعادة يومياً، ولسنوات، يُسهم في تقليل الإصابة ببعض تلك الأورام.